الثلاثاء، 20 مايو 2014

الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراها إلا المرضى

"الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراها إلا المرضى"، عبارة حفظناها منذ نعومة أظفارنا ونحن في المراحل الابتدائية في المدرسة، لكننا لم نفهم من الصحة المذكورة في العبارة السابقة إلا صحة الجسم، ولم نعرف من المرضى إلا مرضى البدن، ربما لأن صغر سنّنا لم يسعفنا في تجاوز المعنى الظاهر، كذلك لم نكن من أصحاب الحظ لنجد من يشرح لنا هذه العبارة بمفهومها الأوسع، لتشمل جميع أنواع الأمراض البدنية والنفسية التي قد يصاب بها الأفراد، والأمراض الاجتماعية التي قد تصاب بها المجتمعات لتنتشر كالأوبئة وتفتك بها.

نعم، عشنا مع هذه العبارة في مفهومها الضيق عشرات السنين، حتى بدأنا ندرك مفهومها الأوسع من خلال الكتابات التي تحدثت عن أمراض النفس والمجتمع، ومن خلال السير في الأرض والتأمل في الأمراض التي تعاني منها بعض المجتمعات في جوانب معينة من حياتها. هذه العبارة يجب أن تغرس في أذهان أطفالنا منذ نعومة أظفارهم، لكن بمفهومها الواسع، لكي ينمو هذا الجيل وتنمو معه، كجيل واع مدرك، يستطيع أن يميز بين أمراض البدن والنفس والمجتمع، ويكون على بينة من أمره في طرق الوقاية والعلاج منها.

هذه مقدمة لا بد منها قبل التطرق إلى بعض السلوكيات الدخيلة على مجتمعنا العماني، والتي أعتبرها من الأمراض النفسية والاجتماعية، التي بدأت تظهر على السطح بشكل واضح، من خلال المنتديات الحوارية سابقا، ومواقع التواصل الاجتماعي تويتر وفيسبوك بشكل خاص لاحقا. هذه السلوكيات تمثلت في العنف اللفظي الذي يمارسه البعض ضد من يختلف معهم في الفكرة، وصلت إلى درجة الفحش في القول، من سب وشتم واستخدام كلمات بذيئة دخيلة على مجتمعنا العماني النظيف، بل تجاوزت كل ذلك إلى المساس بأعراض الناس والتقول عليهم.

ربما يقول قائل، أن هذه السلوكيات متوقعة من شباب غير ملتزم –حسب تصنيف البعض- لا يراعي حرمة المساس بأعراض الناس، أو استخدام عبارات السب والشتم والقذف، لبعده عن منهج الله، وعدم التزامه بأوامر الله والابتعاد عن نواهيه، هذا ما يفسر به البعض هذه السلوكيات من قبل هذه الفئة، لكن ماذا نقول عندما يصدر هذا السلوك من أناس تبدو عليهم مظاهر التدين والالتزام؟ كيف يمكننا تفسير مثل هذا السلوك الصادر من أناس، ربما اعتبرهم البعض من صفوة المجتمع، حكما بالظاهر من لباس الدشداشة القصيرة والعمامة، وإطلاق اللحية؟ كيف نستطيع تفسير مثل هذا السلوك؟

من خلال متابعتي لردود أفعال محبي هؤلاء "الصفوة" ممن صدرت عنهم مثل هذه السلوكيات، وجدت أن التبرير كان هو الغالب لتفسير مثل هذا السلوك، بل تجاوز في بعض الأحيان التبرير إلى الإعجاب بمثل هذا السلوك أو الرد البذيء، والتشجيع عليه، ربما من باب "وعين الرضا عن كل عيب كليلة"، بجانب العاطفة غير المحكومة بالعقل، والتي تتأرجح بالشخص بين غض النظر عن كل عيب صادر من حبيب، مهما كان حجم ذلك العيب، والسخط على من يعتبره عدوا، بإلصاق كل مساوئ الدنيا عليه.
هذه التبريرات في حقيقتها تنم عن حقيقة معينة، ربما نحاول أن نتجاهلها بمثل هذا التصرف، وهي أن أمراضا اجتماعية انتشرت في مجتمعنا، وأصيبت بها فئة معينة ممن يسمى بالشباب المتدين، ربما لأنه كان مصابا بمثل هذا المرض منذ أن كان صغيرا ولم يعالجه، حتى بعد أن حدث نوع من التغير في المظهر، وإما أن يكون قد أصيب بالعدوى من مرضى مصابين خالطهم، ولم يكن محصنا لمقاومة مثل هذه الأمراض النفسية والاجتماعية.

المرء بطبيعته يخاف من المرض ويحاول أن يتجاهله، وبالتالي تجده دائما يتردد في الذهاب إلى الطبيب لإجراء فحوصات شاملة، خوفا من اكتشاف إصابته بمرض معين من أمراض البدن المنتشرة، كأمراض السرطان والقلب والضغط والسكر، وبالتالي هو يفضل العيش هكذا دون أي فحص وتشخيص، ليجد نفسه بعد ذلك وقد انهار، بعدما نخر المرض في جسمه، ليبقى طريح الفراش ينتظر الموت.

الأمر نفسه ينطبق أيضا على امراض النفس والمجتمع، وإن لم يتم إجراء فحوصات شاملة لمجتمعاتنا، لكي يتم تحديد ماهية الأمراض التي تعاني منها هذه المجتمعات، وطرق علاجها، فستجد هذه المجتمعات نفسها على فراش الموت، لأنها آثرت تجاهل هذه الأمراض خوفا من مواجهة الحقيقة الموجعة، والعيش في الوهم الجميل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق