الاثنين، 9 يونيو 2014

حتى الملائكة تسأل، رحلة إلى الإسلام في أمريكا... جيفري لانج


نعم، حتى أولئك الخلق المطهرون، الذين (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، حتى هؤلاء يسألون...

عندما أخبرهم رب العزة بأنه جاعل في الأرض خليفة، (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)...

حتى الملائكة تسأل، رحلة إلى الإسلام في أمريكا... "Even Angels Ask: A Journey to Islam in America"

هذا هو عنوان الكتاب الذي ألفه البروفيسور "جيفري لانج" بعدما كتب كتابه الأول "الصراع من أجل الإيمان" "Struggling to Surrender".


جيفري لانج "Jeffrey Lang " هو برفيسور أمريكي من مواليد عام 1954م، يعمل أستاذا في قسم الرياضيات في جامعة كنساس في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالرغم من نشأته في أسرة كاثوليكية متدينة، والتحاقه بمدارس دينية، إلا أنه اتجه إلى الإلحاد و هو في سن السادسة عشرة، ثم وجد ضالته في طريق البحث واعتنق الإسلام وهو في سن الثامنة والعشرين.


في عام 1991م أخذ إذنا من جامعة كنساس ليسافر إلى السعودية للتدريس في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران لمدة عام، حيث لم يكن هدفه الأساسي التدريس في جامعة الملك فهد، وإنما كان يبحث عن "مكان تحترم فيه ديانتي وممارستي لها. لقد أردت العيش بين إخوان وجيران وزملاء مسلمين كي أصلي معهم صلاة الجمعة وأصوم رمضان، وأن أمضي العطل الإسلامية معهم وأستمتع بها"، هذا هو الهدف الأساسي من رحلة جفري إلى السعودية كما يقول.

بعد مرور عام على وجوده في السعودية للتدريس في جامعة الملك فهد، عاد قافلا هو وعائلته إلى موطنه الأصلي، ومقر عمله في جامعة كنساس، وهو يجر ثوب الخيبة والفشل، حيث يقول: "شعرت ولأسباب لم أستطع فهمها على نحو تام، وكأنني أختنق روحيا في السعودية".

لم يستطع الرجل التأقلم أبدا، حيث وجد العام الذي قضاه في السعودية كان أشبه بحكم سجن على روحه، حسب وصفه، وتعلم من خلال هذه التجربة أنه ليس هناك مناص من أن يكون أمريكيا. يقول: "إنني لم يكن لي من بد إلا أن أكون أمريكيا. إن طريقة فهمي للدين –طريقة الدراسة والتحري التي أتبعها في البحث عن المواضيع والأسئلة المهمة بالنسبة إلي- متأثرة على نحو كبير بخلفيتي الثقافية، وهي طريقة غالبا ما تكون غير مريحة بالنسبة إلى المسلمين تقليديي الثقافة".

هذا ما تميز به جيفري لانج عن الكثير ممن اعتنقوا الإسلام، والذي ربما يكون مشكلة عند الآخرين، السؤال والبحث والتحري، وعدم قبول إطلاق الأحكام دون فهم مقاصدها والأدلة التي اعتمدت عليها. هذا ما جعله لم يستطع التأقلم مع المجتمع الديني السعودي، حيث كان من الواجب عليه السمع والطاعة وقبول الأحكام على عواهنها دون محاولة فهمها حسبما تعوّد من خلال خلفيته الثقافية الأمريكية في السؤال والتحري. يقول: "قيل لي أكثر من مرة إن الأسئلة التي أطرحها والطريقة التي أتبعها في التحري عن الأشياء خطيرة، لأن من شأنها أن تؤدي إلى البدعة والهرطقة"، ولهذا لم يجد بدا من وصف الإسلام في السعودية بأنه قد توقف أن يكون قوة للتغيير الشخصي.

ما تميز به جيفري من مداومة السؤال والبحث والتحري، هو ما دفعه إلى رفض الكاثوليكية والاتجاه إلى الإلحاد، وهو ما دفعه إلى الإيمان وترك الإلحاد، لكن وللأسف الشديد تفاجأ بعدم قبول هذا المنهج عندما حاول تطبيقه مع المسلمين بعد انتمائه إلى الإسلام.

مداومة البحث والسؤال جعلت جفري من الباحثين المتميزين، حيث وصل إلى نتائج وقناعات ربما لم تكن وربما ما زالت غير مقبولة عند عموم المسلمين، حيث حاول في جزء من بحثه هذا معالجة الخلط الحاصل بين الثقافة والدين، حيث يقول أننا "غالبا ما نوازي بين فهمنا لمسألة ما والحقيقة بعينها، كما يذكر أن "مشكلة خلط التنزيل بتفسيراتنا له، هو أن تفسيراتنا هذه، برغم أنها قد لا يكون لها ما يسوغها، فإن من شأنها أن تحصر وتحدد التنزيل المقدس بمستوى معين من الفهم الإنساني".

من القضايا التي تطرق إليها الباحث وتناولها بشيء من التفصيل، موضوع قتال المشركين المذكور في الآية الخامسة من سورة التوبة، والتي شاع تسميتها بآية السيف، وأنها نسخت ما قبلها من الآيات التي تحض على السلم، حيث ناقش موضوع النسخ ووصل إلى نتيجة أن النسخ في القرآن الكريم نظرية وليس هناك حاجة إليها، حيث يقول: "وبرغم أن نظرية النسخ هذه تحظى بقبول العديد من علماء المسلمين، فإنني أرى فيها العديد من نقاط الضعف"، كما يقول أنه "ليس هناك داع لأن نستنتج من أن نصا قرآنيا قد نسخ نصا آخر وللأبد"، حيث أنه "إذا دقق المرء بسياق المبادئ القرآنية جميعا فسوف يرى أنه لا تعارض بينها على الإطلاق"، موضحا أن نظرية النسخ سببت الكثير من الإشكال عند معتنقي الإسلام الجدد، حيث يقول: "ولم أندهش عندما أخبرني عدد من معتنقي الإسلام الجدد أنهم صدموا وتزعزع إيمانهم عندما اكتشفوا هذه النظرية في بادئ الأمر".

هناك قضايا أخرى تطرق إليها الباحث في كتابه مثل "دار الإسلام ودار الحرب"، و "قتل المرتد عن الإسلام"، و "كفالة حقوق المرأة واحترامها"، وغيرها من القضايا التي تناقش مشكلات الجالية الإسلامية في أمريكا والحلول المقترحة لها، مؤكدا على أنه "إذا كان على الجالية الدينية أن تقدم باحثين وعلماء طليعين، فإن منهجها التعليمي يجب أن يكون متوافقا مع طرائق الدراسة التحليلية والنقدية المعاصرة"، حيث أن "ذلك يتطلب مناخا من حرية التعبير والبحث، حيث النقد الذاتي والموضوعية يتم تشجيعهما، والاستفهام والشك يتم استيعابهما".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق